فصل: فصل (فيما يحدث أهل الذمة ما فيه ضرر على الإسلام):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال حفصُ بن عُبيد الله: أقام أنسُ بنُ مالك بالشام سنتين يُصَلِّى صلاةَ المسافر.
وقال أنسُ: أقام أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بِرَامَهُرْمُزَ سَبعة أشهر يقصُرون الصلاة.
وقال الحسن: أقمتُ مع عبد الرحمن بن سَمُرة بكابُل سنتينِ يقصرُ الصلاة ولا يجمع.
وقال إبراهيم: كانوا يُقيمون بالرَّىِّ السنة، وأكثر من ذلك، وسجستان السنتين.
فهذا هَدْى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما ترى، وهو الصوابُ.
وأما مذاهبُ الناس، فقال الإمام أحمد: إذا نوى إقامةَ أربعة أيام، أتم، وإن نوى دونها، قصر، وحمل هذه الآثار على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يُجمعوا الإقامة ألبتة، بل كانوا يقُولون: اليوم نخرج، غدًا نخرج. وفى هذا نظر لا يخفى، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة، وهى ما هى، وأقام فيها يُؤسِّسُ قواعِدَ الإسلام، ويهدِمُ قواعِدَ الشِّرك، ويُمهِّد أمر ما حولها مِن العرب، ومعلوم قطعًا أن هذا يحتاج إلى إقامة أيام لا يتأتَّى في يوم واحد، ولا يومين، وكذلك إقامتُه بتَبُوك، فإنه أقام ينتظر العدو، ومن المعلوم قطعًا، أنه كان بينه وبينهم عِدَّةُ مراحل يحتاج قطعها إلى أيام، وهو يعلم أنهم لا يُوافون في أربعة أيام، وكذلك إقامة ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يقصُر الصلاة من أجل الثلج، ومن المعلوم أن مثل هذا الثلج لا يتحللُ ويذوب في أربعة أيام، بحيث تنفتح الطُّرُق، وكذلك إقامة أنس بالشام سنتين يقصُر، وإقامةُ الصحابة بِرَامَهُرْمُزَ سبعة أشهر يقصُرون، ومن المعلوم أن مثل هذا الحِصار والجهاد يُعلَم أنه لا ينقضى في أربعة أيام. وقد قال أصحاب أحمد: إنه لو أقام لجهاد عدو، أو حبس سلطان، أو مرض، قصر، سواء غلب على ظنِّه انقضاءُ الحاجة في مدة يسيرة أو طويلة، وهذا هو الصواب، لكن شرطوا فيه شرطًا لا دليل عليه من كتاب، ولا سُنَّة، ولا إجماع، ولا عمل الصحابة. فقالُوا: شرط ذلك احتمالُ انقضاء حاجته في المدة التي لا تقطع حكم السفر، وهى ما دُون الأربعة الأيام، فيقال: من أين لكم هذا الشرط، والنبي لما أقام زيادة على أربعة أيام يقصُر الصلاة بمكة وتَبُوك لم يقل لهم شَيْئًا، ولم يُبين لهم أنه لم يَعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام، وهو يعلمُ أنهم يقتدون به في صلاته، ويتأسَّوْنَ به في قصرها في مدة إقامته، فلم يقل لهم حرفًا واحدًا: لا تقصروا فوق إقامة أربع ليال، وبيان هذا مِن أهم المهمات، وكذلك اقتداءُ الصحابة به بعدَه، ولم يقولوُا لمن صَلَّى معهم شيئًا من ذلك.
وقال مالك والشافعى: إنْ نوى إقامةَ أكثرَ مِن أربعة أيام أتمَّ، وإن نوى دونها قصر.
وقال أبو حنيفة: إنْ نوى إقامة خمسة عشر يومًا أتمَّ، وإن نوى دونها قصر، وهو مذهب الليث بنِ سعد، ورُوى عن ثلاثة من الصحابة: عمر، وابنه، وابن عباس. وقال سعيد بن المسيِّب: إذا أقمتَ أربعًا فصَلِّ أربعًا، وعنه: كقول أبى حنيفة.
وقال علىُّ بن أبى طالب: إنْ أقامَ عشرًا، أتمَّ، وهو روايةٌ عن ابن عباس.
وقال الحسن: يقصُر ما لم يقدَم مصرًا.
وقالت عائشةُ: يقصُر ما لم يضع الزاد والمزاد.
والأئمة الأربعة متفقون على أنه إذا أقام لحاجة ينتظر قضاءها يقول: اليوم أخرج، غدًا أخرج، فإنه يقصر أبدًا، إلا الشافعىّ في أحد قوليه، فإنه يقصُر عنده إلى سبعة عشر، أو ثمانية عشر يومًا، ولا يقصُر بعدها. وقد قال ابن المنذر في إشرافه: أجمع أهل العلم أن للمسافر أن يقصر ما لم يُجْمِع إقامة وإن أتى عليه سنون.

.فصل [في استحبابِ حِنْث الحالف في يمينه إذا رأى غيرَها خيرًا منها]:

ومنها: جوازُ بلِ استحبابُ حِنْث الحالف في يمينه إذا رأى غيرَها خيرًا منها، فيكفِّرُ عن يمينه، ويفعلُ الذي هو خير، وإن شاء قدَّم الكَفَّارة على الحِنث، وإن شاء أخَّرها، وقد رُوى حديث أبى موسى هذا: «إلاَّ أَتَيْتُ الذي هُوَ أَخْيَرُ، وتحلَّلتُها»، وفى لفظ: «إلاَّ كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينى وَأَتَيْتُ الذي هُوَ أَخْيَرُ»، وفى لفظ: «إلاَّ أَتَيْتُ الذي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينى»، وكلُّ هذه الألفاظ في الصحيحين، وهى تقتضى عدم الترتيب.
وفى السنن من حديث عبد الرحمن بن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا،. فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، ثُمَّ ائْتِ الذي هُوَ خَيْرٌ». وأصله في الصحيحين، فذهب أحمد، ومالك، والشافعى إلى جواز تقديم الكَفَّارة على الحِنث، واستثنى الشافعىُّ التكفيرَ بالصوم، فقال: لا يجوزُ التقديمُ، ومنع أبو حنيفة تقديمَ الكفَّارة مطلقًا.

.فصل [في انعقادِ اليمين في حال الغضب]:

ومنها: انعقادُ اليمين في حال الغضب إذا لم يَخْرُج بصحابه إلى حد لا يعلم معه ما يقول، وكذلك ينفُذ حكمه، وتَصِحُّ عقُودُه، فلو بلغ به الغضبُ إلى حد الإغلاق، لم تنعقِدْ يمينه ولا طلاقه.
قال أحمد في رواية حنبل في حديث عائشة: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طَلاَقَ وَلا عَتَاقَ في إغْلاَقٍ»، يريد الغضبَ.

.فصل [في تعلق الجبري بقولِه صلى الله عليه وسلم: «ما أنا حملتُكم، ولكن الله حملَكم»]:

ومنها: قولُه صلى الله عليه وسلم: «ما أنا حملتُكم، ولكن الله حملَكم»، قد يتعلق به الجبرىُّ، ولا متعلق له به، وإنما هذا مثل قوله: «واللهِ لا أُعْطى أحَدًا شَيْئًا، ولا أَمْنَعُ، وإنَّما أَنَا قَاسِمٌ، أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ»، فإنه عبد الله ورسوله، إنما يتصرف بالأمر، فإذا أُمِرَه ربه بشيء، نفذه، فالله هو المعطى، والمانع، والحامل، والرسول منفذ لما أمر به. وأما قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [الأنفال: 17]، فالمرادُ به القبضةُ من الحصباء التي رمى بها وجوهَ المشركين، فوصلَت إلى عُيون جميعهم، فأثبتَ اللهُ سبحانه له الرمىَ باعتبار النبذِ والإلقاء، فإنه فعله، ونفاه عنه باعتبار الإيصال إلى جميع المشركين، وهذا فعلُ الرب تعالى لا تَصِلُ إليه قُدْرَةُ العبد، والرمىُ يُطلق على الخَذف وهو مبدؤه، وعلى الإيصال، وهو نهايتُه.

.فصل [في ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل المنافقين]:

ومنها: تركُه قتل المنافقين، وقد بلغه عنهم الكفرُ الصريحُ، فاحتج به مَن قال: لا يُقْتَلُ الزنديق إذا أظهر التوبة، لأنهم حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم ما قالوا، وهذا إذا لم يكن إنكارًا، فهو توبة وإقلاع، وقد قال أصحابُنا وغيرهم: ومَن شُهِدَ عليه بالرِّدَّةِ، فشهد أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، لم يكشف عن شيء عنه بعد، وقال بعض الفقهاء: إذا جحد الرِّدَّة، كفاه جحدها. ومَن لم يقبل توبة الزنديق، قال: هؤلاء لم تَقُمْ عليهم بيِّنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحكمُ عليهم بعلمه، والذى بلَّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم قولَهم لم يبلِّغه إياه نصابُ البيِّنة، بل شهد به عليهم واحد فقط، كما شهد زيدُ ابن أرقم وحدَه على عبد الله بن أُبَىّ، وكذلك غيرُه أيضًا، إنما شهد عليه واحد.
وفى هذا الجواب نظر، فإن نفاق عبد الله بن أُبَىّ، وأقوالَه في النفاق كانت كثيرةً جدًا، كالمتواترة عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وبعضهم أقرَّ بلسانه، وقال: «إنما كنا نخوضُ ونلعب»، وقد واجهه بعضُ الخوارج في وجهه بقوله: إنَّك لم تَعْدِلْ. والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: ألا تقتلهم؟ لم يقل ما قامت عليهم بيِّنةٌ، بل قال: «لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أصْحَابَه».
فالجوابُ الصحيح إذن: أنه كان في ترك قتلهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة تتضمن تأليفَ القلوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمع كلمة الناس عليه، وكان في قتلهم تنفيرٌ، والإسلام بعدُ في غُربة، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم أحرصُ شيء على تأليف الناسِ، وأتركُ شيء لما يُنَفِّرُهم عن الدخول في طاعته، وهذا أمر كان يختصُّ بحال حياته صلى الله عليه وسلم، وكذلك تركُ قتل مَن طعن عليه في حكمه بقوله في قصة الزُّبير وخصمه: أنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ. وفى قسمه بقوله: إنَّ هذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ. وقول الآخر له: إنك لم تعدِل، فإنَّ هذا محضُ حقه، له أن يستوفِيَه، وله أن يترُكَه، وليس للأُمة بعده تركُ استيفاء حقِّه، بل يتعينُ عليهم استيفاؤه، ولابُدَّ، ولتقرير هذه المسائل موضع آخر، والغرضُ التنبيه والإشارة.

.فصل [فيما يحدث أهل الذمة ما فيه ضرر على الإسلام]:

ومنها: أن أهلَ العهد والذِّمَّة إذا أحدث أحد منهم حَدَثًا فيه ضرر على الإسلام، انتقضَ عهدُه في ماله ونفسه، وأنه إذا لم يقدر عليه الإمام، فدمُه وماله هدر، وهو لمن أخذه، كما قال في صلح أهل أيلة: فمَن أحدث منهم حَدَثًا، فإنه لا يحول مالُه دون نفسه، وهو لمن أخذه من الناس، وهذا لأنه بالإحداث صار محاربًا، حكمه حكم أهل الحرب.

.فصل [في جواز الدفن بالليل]:

ومنها: جواز الدفن بالليل، كما دفن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذا البِجادين ليلًا، وقد سُئل أحمد عنه، فقال: وما بأسٌ بذلك. وقال: أبُو بكر دُفِنَ ليلًا، وعلىّ دفن فاطمة ليلًا. وقالت عائشة: سمعنا صوتَ المساحِى من آخِر الليل في دفن النبي صلى الله عليه وسلم.. انتهى. ودفن عُثمان، وعائشةُ، وابنُ مسعود ليلًا.
وفى الترمذى عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرًا ليلًا، فأُسْرِجَ له سِراج، فأخذه من قِبَل القِبْلة، وقال: «رحمك الله؛ إن كُنْتَ لأَوَّاهًا تَلاءً لِلْقُرآن». قال الترمذى: حديث حسن.
وفى البخارى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن رجل فقال: «مَنْ هذَا»؟
قالُوا: فُلانٌ دُفِنَ البَارِحَةَ؛ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يومًا، فذكر رجلًا مِن أصحابِه قُبضَ فَكُفِّن في كَفَنٍ غَيْرِ طَائِل، وَقُبِرَ لَيْلًا، فزجَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أنْ يُقَبَرَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ حتَّى يُصَلَّى عليه إلا أَنْ يُضطرَّ إنْسَانٌ إلَى ذلِكَ؟ قال الإمام أحمد: إليه أذهب.
قيل: نقول بالحديثين بحمد اللهِ، ولا نرُدُّ أحدَهما بالآخر، فنكره الدفنَ بالليل، بل نزجُر عنه إلا لضرورة أو مصلحة راجحة، كميت مات مع المسافرين بالليل، ويتضرَّرون بالإقامة به إلى النهار، وكما إذا خِيف على الميت الانفجارُ، ونحو ذلك من الأسباب المرجحة للدفن ليلًا.. وبالله التوفيق.

.فصل [فيما غنمته السرية]:

ومنها: أن الإمام إذا بعث سَرِيَّةً، فغنِمَت غنيمة، أو أسرت أسيرًا، أو فتحت حِصنًا، كان ما حصل من ذلك لها بعد تخميسه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قسم ما صالح عليه أُكَيْدِر من فتح دُومة الجندل بين السريَّة الذين بعثهم مع خالد، وكانوا أربعمائة وعشرين فارسًا، وكانت غنائِمُهم ألفى بعير وثمانمائة رأس، فأصاب كُلَّ رجل منهم خمسُ فرائض، وهذا بخلاف ما إذا أخرجت السريةُ من الجيش في حال الغزو، فأصابت ذلك بقوة الجيش، فإن ما أصابُوا يكون غنيمة للجميع بعد الخُمُس والنَّفلَ، وهذا كان هَدْيه صلى الله عليه وسلم.

.فصل [في معية من لا يقاتل]:

ومنها: قولُه صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بالمَدِينَةِ أقْوامًا مَا سِرْتُمْ مَسيرًا، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلاَّ كَانُوا مَعَكُم»، فهذه المعية هي بقلوبهم وهممهم، لا كما يظنه طائفة من الجُهَّال أنهم معهم بأبدانهم، فهذا محال، لأنهم قالوا له: وهم بالمدينة؟ قال: «وهم بالمدينة حَبَسَهُمُ العُذْرُ»، وكانوا معه بأرواحهم، وبدار الهجرة بأشباحهم، وهذا مِن الجهاد بالقلب، وهو أحد مراتبه الأربع، وهى القلب، واللِّسان، والمال، والبدن. وفى الحديث: «جَاهِدُوا المُشْرِكينَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَقُلُوبِكُم وأَمْوالِكُم».

.فصل [في تحريقِ أمكنة المعصية]:

ومنها: تحريقُ أمكنة المعصية التي يُعصى اللهُ ورسولُه فيها وهدمُها، كما حرقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد الضِّرار، وأمر بهدمه، وهو مسجدٌ يُصلَّى فيه، ويُذكر اسمُ الله فيه، لما كان بناؤه ضِرارًا وتفريقًا بين المؤمنينَ، ومأوى للمنافقين، وكُلُّ مكان هذا شأنه، فواجب على الإمام تعطيلُه، إما بهدم وتحريق، وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وُضِعَ له. وإذا كان هذا شأنَ مسجد الضِّرارِ، فمشاهِدُ الشِّرْكِ التي تدعو سدنتُها إلِى اتخاذ مَنْ فيها أندادًا من دون الله أحقُّ بالهدمِ وأوجب، وكذلك محالُّ المعاصى والفسوق، كالحانات، وبُيوت الخمَّارين، وأرباب المنكرات، وقد حرق عمرُ بن الخطاب قريةً بكمالها يُباع فيها الخمر، وحرق حانوت رُويشد الثقفى وسماه فويسقًا، وحرق قصرَ سعد عليه لما احتجب فيه عن الرعية، وهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت تَاركى حضور الجماعة والجُمُعة، وإنما منعه مَن فيها من النساء والذُرِّية الذين لا تجبُ عليهم كما أخبر هو عن ذلك.
ومنها: أن الوقف لا يصح على غير برٍّ ولا قُربة، كما لم يصحَّ وقفُ هذا المسجد، وعلى هذا: فيُهدم المسجد إذا بُنى على قبر، كما يُنبش الميتُ إذا دُفِنَ في المسجد، نص على ذلك الإمام أحمد وغيرُه، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجدٌ وقبر، بل أيُّهما طرأ على الآخر. منع منه، وكان الحكم لِلسابق، فلو وُضِعا معًا، لم يجز، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز، ولا تَصِحُّ الصلاة في هذا المسجد لنهى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولعنه مَن اتخذ القبر مسجدًا أو أوقد عليه سراجًا، فهذا دينُ الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه، وغربتُه بينَ الناس كما ترى.